تاريخ شركة جوجل بمناسبة عيدها الـ 14 |
لم يستغرق أندى بليشتلكيم أحد كبار المستثمرين فى أمريكا، الكثير من الوقت لكى يفكر فى مدى قدرة الشابين، سيرجى براين ولارى بيج فى تنفيذ الفكرة التى عرضاها عليه لبناء أول محرك بحث من نوعه وصفوه بحماس شديد "بأنه سيغير إلى الأبد طريقة استخدام الناس للمعلومات الموجودة على شبكة الإنترنت فى عام ١٩٩٨". وكانت الإنترنت وقتها مازالت تتحسس خطواتها الأولى.
وقبل أن يكملا عرضهما بادرهم بليشتلكيم متعجلاً «بدل أن نتناقش فى كل هذه التفاصيل، لماذا لا أكتب لكم شيكاً بمبلغ ١٠٠ ألف دولار باسم شركة جوجل المحدودة».
من هنا بدأت أولى الخطوات العملية لأكبر وأغلى علامة تجارية فى حياتنا اليوم، ويخطئ من يظن أن النجاح يمكن أن يأتى مصادفة، فقصة نجاح مؤسسى موقع جوجل خير دليل على أن النجاح له أسبابه ومقدماته المنطقية، ومن السهل أن نقول ذلك على جوجل بعد أكثر من عشر سنوات على تأسيسه وبعد أن أصبح مرادفا لكلمة بحث على الإنترنت، ولكن البداية المتواضعة للفكرة تؤكد ذلك وتجعلنا نؤمن بأن المستحيل كلمة لا توجد إلا فى قاموس الفاشلين فقط.
وسيرجى براين Sergey Brin ولارى بيج Larry Page، يشتركان فى كونهما ينتميان للجيل الثانى من مستخدمى الكمبيوتر، فقد كبرا وترعرعا وهما يستخدمانه سواء فى المرحلة الابتدائية أو الإعدادية كما استعمل والداهما الكمبيوتر فى البيت والمنزل لحل المشاكل الرياضية الصعبة وهو مناخ محفز لإخراج عباقرة فى علوم الكمبيوتر.
"سيرجى براين مواطن من موسكو، المؤسس المشارك ورئيس قسم التقنية" هذا هو وصفه كما ورد على موقع جوجل، حاصل على بكالوريوس الرياضيات وعلوم الكمبيوتر بدرجة امتياز من جامعة ميريلاند فى مدينة كوليدج بارك. وهو حاليًا فى إجازة من برنامج الدكتوراه فى علوم الكمبيوتر بجامعة ستانفورد حيث حصل على درجة الماجستير.
قبل أن يتم عامه السادس هاجر والدا سيرجى براين إلى الولايات المتحدة الأمريكية قادمين من روسيا (الاتحاد السوفيتى وقتها) فى عام ١٩٧٠، ووالدا سيرجى كانا متخصصين فى العلوم والتكنولوجيا حيث عملت والدته باحثة بمركز أبحاث جودرد لأبحاث الفضاء والطيران بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، أما والده فعمل كأستاذ لمادة الرياضيات بجامعة ميريلاند.
عندما كان سيرجى فى الثانوية سجل فى جامعة ميريلاند ونجح فى عمر ١٩ فى الحصول على شهادته الجامعية سنة ١٩٩٣ مع مرتبة الشرف فى الرياضيات وعلوم الكمبيوتر، وبعد التخرج من ميريلاند ذهب سيرجى إلى جامعة ستانفورد ليحصل على منحة دراسية، وهناك التقى برفيق رحلة النجاح لارى بيج.
فى صيف ١٩٩٥ استقبل سيرجى زميله لارى الذى جاء للالتحاق ببرنامج لدرجة الدكتوراه- لا يزال لارى إلى الآن فى عُطلة عن إتمام رسالة الدكتوراه- حيث تعرف عليه، فكان دوره تقديم النصح له ولمجموعة الطلبة الجدد، فقد كان سيرجى متطوعا لمرافقة الطلبة الذين يفكرون فى الالتحاق بالجامعة لتعريفهم بها وللإجابة على تساؤلاتهم.
بدأ حب لارى، ابن أستاذ علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعى بجامعة ولاية ميتشغان الدكتور كارل فيكتور بيج، لأجهزة الكمبيوتر فى السادسة من عمره. ومن خلال تتبعه لخطى والده فى دراساته الأكاديمية، أصبح لارى خريجًا بدرجة امتياز فى جامعة ميتشغان حيث حصل على بكالوريوس فى الهندسة هندسة الكمبيوتر وعمره ٢٤ عاماً،
ولارى هو أصغر ابناء والديه، وكان أحد أوائل الطلاب الذين نالوا شهادة دكتوراه. وبالرغم من أن أمه يهودية فإن لارى تربى مماثلا لأبيه، بلا دين. وأخوه الأكبر هو كارل فيكتور بايج الابن، كان قد شارك فى تأسيس eGroups التى اشترتها ياهو سنة ٢٠٠٠ بمبلغ ٤١٨ مليون دولار.
عرف عن لارى فى طفولته شغفه بكيفية عمل الأشياء، وحصل علـــــى أول كمبيوتــــــــر منزلى سنة ١٩٧٨، والذى كلفهم الكثير من الأموال، وعندما كان فى الصف الابتدائى كان معلموه يدهشون لأنه يؤدى واجباته باستخدام الكمبيوتر، وقبل أن يكمل عامه الثامن انفصل والداه، ولكن هذا لم يؤثر كثيرا على علاقته بهما.
بعد أن تخرج لارى فى جامعة ميتشغان بدرجة البكالوريوس فى هندسة الحواسيب مع مرتبة الشرف، سعى إلى نيل درجة الماجستير فى علم الحوسبة من جامعة ستانفورد. يذكر أنه أثناء انتظامه فى الجامعة، ابتكر لارى طابعة نافثة للحبر من مكعبات Lego، وكان عضوا فى فريق السيارة الشمسية، وكان رئيس جمعية "إيتا كابا نو" الشرفية للهندسة الكهربية والحوسبة.
ورغم أن بداية التعارف بين الشابين لارى بيج وسيرجى براين مؤسسى جوجل كانت فاترة بعض الشىء عندما تقابلا لأول مرة فى جامعة ستانفورد، فى قسم الدراسات العليا لعلوم الكمبيوتر فى عام ١٩٩٥، ورغم التباين الواضح فى اتجاهاتهم الفكرية، فسيرجى صاحب صوت عال ومنطلق يرغب دائما فى أن يكون داخل دائرة الضوء ومحور اهتمام الآخرين، أما لارى فعلى النقيض هادئ ومتأمل لا يحب الكلام. ولكنهما اتفقا على تحدٍ واحد وكان يعتبر من أكبر تحديات الكمبيوتــــــــــر فى ذالك الوقت وهو استرجـــــاع البيانــــــات المرتبطة من كمية هائلة من البيانات.
وضع لارى بيج ملامح مشروع بحثى كان أشبه بالجنون وقتها يقوم على تصنيف صفحات الإنترنت نظرا لأهميتها، وانضم سيرجى إلى لارى فى هذا المشروع الذى أطلق عليه BackRub. لأجل تحويل بيانات الروابط التى يجمعها زاحف الويب إلى مقياس حقيقى لأهمية صفحة الويب، وسرعان ما طور الاثنان خوارزمية (PageRank)، ثم أدركا أنها يمكن أن تستخدم لبناء محرك بحث يتفوق كثيرا على ما كان موجودا فى ذلك الوقت. وفى أغسطس ١٩٩٦ خرج الإصدار الأول من جوجل على خوادم جامعة ستانفورد.
ويعود سبب اختيارهما كلمة Google إلى اختصارات يستخدمها علماء الرياضيات للدلالة على رقم ١ يتبعه ١٠٠ صفر، واختير الاسم كدليل على قدرة محرك البحث على تنظيم أكبر عدد من المعلومات بسرعة ودقة.
وتطورت الفكرة كثيرا فى أقل من عامين وكان أغلب نشاطهما البحث فى مبنى "جيتس" بجامعة استانفورد الأمريكية فى سبتمبر ١٩٩٨، وهو مبنى موله بيل جيتس صاحب مايكروسوفت، ولم يكن استخدام مؤسسى جوجل لمبنى جيتس هو نهاية علاقتهما به، فلو كان يعرف ربما لتردد كثيرا فى أن يمول هذا المبنى، خاصة أنه يعتبر جوجل أكبر تهديد عرفته مايكروسوفت فى حياتها.
ولم تكن ميزانية مشروع إنشاء جوجل متوافرة لدى لارى وسيرجى لذلك استخدما فى تنفيذه كمبيوترات قديمة وضعاها فى غرفة لارى داخل سكنه الجامعى. وفيما بعد حاول الاثنان بيع المشروع لمحركات البحث الشهيرة آنذاك مثل التافيستا أو ياهو أو اكسايت وغيرها. ولكن كان ردهم جميعا غير مشجع لأنهم كانوا مهتمين وقتها بأن يبقوا متصفحى شبكة الإنترنت أكبر وقت ممكن على موقعهم لا أن يسهلوا لهم عملية البحث فيخرجوا سريعاً من مواقعهم.
وعندما وجدا أن الأمور أمامهما تعقدت، فكرا فى أن يتجها إلى تأسيس مشروعهما الخاص ليكون خير رد على من رفضوا الفكرة واستهانوا بها، وكان من حسن حظهما أنهما التقيا برجل الأعمال أندى بليشتلكيم الذى اشتهر بحبه للمغامرة وقيامه بالمشاركة فى تمويل المشروعات الجديدة وكان من كبار مؤسسى شركة سيسكو، وبعد منحهما شيكاً بقيمة ١٠٠ ألف دولار باسم شركة جوجل المحدودة، احتفل الاثنان بهذا النجاح بوجبة هامبرجر من برجر كينج. فلم تكن ظروفهما المادية وقتها تسمح بأكثر من ذلك، ومقر شركتهما مازال فى جراج قديم فى منطقة «منلو بارك» التى تقع على بعد أقل من كيلو مترين من مساكن طلاب جامعة استانفورد بولاية كاليفورنيا.
ورغم وجود شيك بمبلغ ١٠٠ ألف دولار بحوزتهما إلا أن هناك مشكلة صغيرة مازالت عالقة، ففى ذلك الوقت لم يكن هناك كيان تجارى اسمه جوجل، لهذا لم يستطيعا صرف الشيك وبقى الشيك لأسبوعين فى درج مكتب لارى وفى نفس الوقت تحركا لتأسيس الشركة والتى كان من الضرورى أن يكون رأس مالها مليون دولار، فقاما بالبحث عن مساهمين من العائلة والأصدقاء والمعارف وفى النهاية استطاعا أن يجمعا المليون دولار لتنطلق بعدها رحلة استمرت حتى الآن ١١ عاماً واصلت فيها جوجل نموها حتى وصلت قيمتها حالياً ١٥٠ مليار دولار أى ١٥٠،٠٠٠ مليون دولار.
عندما فكر بيج وبراين فى إدارة الشركة لم يستأثرا بالإدارة فضما إليهما عنصر الخبرة المتمثل فى، إريك شميدت الذى يشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذى بما يملكه من خبرة إدارية فى شركات تكنولوجيا المعلومات استمرت أكثر من ٢٠ عاماً، وهو تفكير ذكى منهما فليس شرطا أن تكون أنت أفضل من يدير فكرتك.
والآن أصبحت ثروة سيرجى براين ١٦,٦ مليار دولار، أما لارى بيج فتبلع ثروته نحو ١٨ مليار دولار ويأتى فى المرتبة ٣٣ فى قائمة أغنى الأغنياء، وكان زفافه قبل عام حفلاً أسطوريا حضره مدعوون من كل أنحاء العالم جاءوا بطائرات خاصة على جزيرة استأجرها خصيصا لهذه المناسبة، ويخطط هو وزوجته حالياً للقيام برحلة سياحية للفضاء